سورة غافر - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (غافر)


        


ذكر الله عز وجل مقالة فرعون حين أعيته الحيل في مقاومة موسى عليه السلام بحجة، وظهر لجميع المشاهدين أن ما يدعو إليه موسى من عبادة إله السماء حق، فنادى فرعون هامان وهو زيره والناظر في أموره، فأمره أن يبني له بناء عالياً نحو السماء. والصرح كل بناء عظيم شنيع القدر، مأخوذ من الظهور والصراحة، ومنه قولهم: صريح النسب، وصرح بقوله، فيورى أن هامان طبخ الآجر لهذا الصرح ولم يطبخ قبله، وبناه ارتفاع مائة ذراع فعبث الله جبريل فمسحه بجناحه فكسره ثلاث كسر، تفرقت اثنتان ووقعت ثالثة في البحر. وروي أن هامان لم يكن من القبط، وقيل: كان منهم. و: {الأسباب} الطرق، قاله السدي. وقال قتادة: أراد الأبواب وقيل: عنى لعله يجد مع قربه من السماء سبباً يتعلق به.
وقرأ الجمهور: {فأطلع} بالرفع عطفاً على أبلغ، وقرأ حفص عن عاصم والأعرج: {فأطلعَ} بالنصب بالفاء في جواب التمني.
ولما قال فرعون بمحضر من ملإه {فأطلع إلى إله موسى} اقتضى كلامه الإقرار ب {إله موسى}، فاستدرك ذلك استدراكاً قلقاً بقوله: {وإني لأظنه كاذباً}، ثم قال تعالى: {وكذلك زين} أي إنه كما تخرق فرعون في بناء الصرح والأخذ في هذه الفنون المقصرة كذلك جرى جميع أمره. و: {زين} أي زين الشيطان سوء عمله في كل أفعاله.
وقرأ الجمهور: {وصد عن السبيل} بفتح الصاد بإسناد الفعل إلى فرعون. وقرأ حمزة والكسائي وعاصم وجماعة: {وصُدَّ} بضم الصاد وفتح الدال المشددة عطفاً على {زين} وحملاً عليه. وقرأ يحيى بن وثاب: {وصِد} بكسر الصاد على معنى صد، أصله، صدد، فنقلت الحركة ثم أدغمت الدال في الدال. وقرأ ابن أبي إسحاق وعبد الرحمن بن أبي بكرة بفتح الصاد ورفع الدال المشددة وتنوينها عطفاً على قوله: {سوء عمله}.
و: {السبيل} سبيل الشرع والإيمان و{التباب}: الخسران، ومنه: {تبت يدا أبي لهب} [المسد: 1] وبه فسر مجاهد وقتادة. وتب فرعون ظاهر، لأنه خسر ماله في الصرح وغيره، وخسر ملكه وخسر نفسه وخلد في جهنم، ثم وعظ الذي آمن فدعا إلى اتباع أمر الله.
وقوله: {اتبعون أهدكم} يقوي أن المتكلم موسى، وإن كان الآخر يحتمل أن يقول ذلك، أي اتبعوني في اتباعي موسى، ثم زهد في الدنيا وأخبر أنه شيء يتمتع به قليلاً، ورغب في الآخرة إذ هي دار الاستقرار.
وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم وأبو رجاء وشيبة والأعمش: {يَدخُلون} بفتح الياء وضم الخاء. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم والأعرج والحسن وأبو جعفر وعيسى: {يُدخَلون} بضم الياء وفتح الخاء.


قد تقدم ذكر الخلاف هل هذه المقالة لموسى أو لمؤمن آل فرعون. والدعاء إلى طاعة الله وعبادته وتوحيده هو الدعاء إلى سبب النجاة فجعله دعاء إلى النجاة اختصاراً واقتضاباً. وكذلك دعاؤهم إياه إلى الكفر واتباع دنيهم: هو دعاء إلى سبب دخول النار، فجعله دعاء إلى النار اختصاراً، ثم بين عليهم ما بين الدعوتين من البون في أن الواحدة شرك وكفر، والأخرى دعوة إلى الإسناد إلى عزة الله وغفرانه.
وقوله: {ما ليس لي به علم} ليس معناه أني جاهل به، بل معناه العلم بأن الأوثان وفرعون وغيره ليس لهم مدخل في الألوهية، وليس لأحد من البشر علم بوجه من وجوه النظر بأن لهم في الألوهية مدخلاً، بل العلم اليقين بغير ذلك من حدوثهم متحصل، و: {لا جرم} مذهب سيبويه والخليل أنها {لا} النافية دخلت على {جرم}، ومعنى: {جرم} ثبت ووجب، ومن ذلك جرم بمعنى كسب، ومنه قول الشاعر [أبو اسماء بن الضريبة]: [الكامل]
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة *** جرمت فزارة بعدها من أن يغضبوا
أي أوجبت لهم ذلك وثبتته لهم، فكأنه الكلام نفي للكلام المردود عليه ب {لا}، وإثبات للمستأنف ب {جرم} وأن على هذا النظر في موضع رفع ب {جرم}، وكذلك {أن} الثانية والثالثة، ومذهب جماعة من أهل اللسان أن {لا جرم} بمعنى لا بد ولا محالة ف {أن} على هذا النظر في موضع نصب بإسقاط حرف الجر، أي لا محالة بأن ما. وما بمعنى الذي واقعة على الأصنام وما عبدوه من دون الله.
وقوله: {ليس له دعوة} أي قدر وحق يجب أن يدعى أحد إليه، فكأنه تدعونني إلى ما لا غناء له وبين أيدينا خطب جليل من الرد إلى الله. وأهل الإسراف والشرك. هم أصحاب النار بالخلود فيها والملازمة، أي فكيف أطيعكم مع هذه الأمور الحقائق، في طاعتكم رفض العمل بحسبها والخوف. قال ابن مسعود ومجاهد: المسرفون: سفاكو الدماء بغير حلها. وقال قتادة: هم المشركون. ثم توعدهم بأنهم سيذكرون قوله عن حلول العذاب بهم، وسوف بالسين. إذ الأمر محتمل أن يخرج الوعيد في الدنيا أو في الآخرة، وهذا تأويل ابن زيد. وروى اليزيدي وغيره عن أبي عمرو فتح الياء من: أمريَ، والضمير في: {وقاه} يحتمل أن يعود على موسى، ويحتمل أن يعود على مؤمن آل فرعون، وقال قائلو ذلك: إن ذلك المؤمن نجا مع موسى عليه السلام في البحر، وفر في جملة من فر معه من المتبعين.
وقرأ عاصم: {فوقاه الله} بالإمالة.
{وحاق} معناه: نزل، وهي مستعملة في المكروه. و: {سوء العذاب} الغرق وما بعده من النار وعذابها.


قوله: {النار} رفع على البدل من قوله: {سوء} [غافر: 45]. وقالت فرقة: {النار} رفع بالابتداء وخبره: {يعرضون}. وقالت فرقة: هذا الغدو والشعي هو في الدنيا، أي في كل غدو وعشي من أيام الدنيا يعرض آل فرعون على النار. وروي في ذلك عن الهزيل بن شرحبيل والسدي: أن أرواحهم في أجواف الطير سود تروح بهم وتغدو إلى النار، وقاله الأوزاعي حين قال له رجل: إني رأيت طيوراً بيضاً تغدو من البحر ثم ترجع بالعشي سوداً مثلها، فقال الأوزاعي: تلك هي التي في حواصلها أرواح آل فرعون يحترق رياشها وتسود بالعرض على النار. وقال محمد بن كعب القرظي وغيره: أراد أنهم يعرضون في الآخرة على النار على تقدير ما بين الغدو والعشي، إذا لا غدو ولا عشي في الآخرة، وإنما ذلك على التقدير بأيام الدنيا وقوله: {ويوم تقوم الساعة} يحتمل أن يكون {يوم} عطفاً على {عشياً}، والعامل فيه {يعرضون}، ويحتمل أن يكون كلاماً مقطوعاً والعامل في: {يوم} {ادخلوا}، والتقدير: على كل قول يقال ادخلوا.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم والأعرج وأبو جعفر وشيبة والأعمش وابن وثاب وطلحة: {أدخلوا} بقطع الألف. وقرأ علي بن أبي طالب وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر عن عاصم والحسن وقتادة: {ادخلوا} بصلة الألف على الأمر ل {آل فرعون} على هذه القراءة منادى مضاف. و: {أشد} نصب على ظرفية.
والضمير في قوله: {يتحاجون} لجميع كفار الأمم، وهذا ابتداء قصص لا يختص بآل فرعون، والعامل في {إذ}، فعل مضمر تقديره: واذكر. قال الطبري: {وإذ} هذه عطف على قوله: {إذ القلوب لدى الحناجر} [غافر: 18] وهذا بعيد.
قال القاضي أبو محمد: والمحاجة: التحاور بالحجة والخصومة.
و: {الضعفاء} يريد في القدر والمنزلة في الدنيا. و: {الذين استكبروا} هم أشراف الكفار وكبراؤهم، ولم يصفهم بالكبر إلا من حيث استكبروا، لأنهم من أنفسهم كبراء، ولو كانوا كذلك في أنفسهم لكانت صفته الكبر أو نحوه مما يوجب الصفة لهم. وتبع: قيل هو جمع واحد تابع، كغائب وغيب، وقيل هو مفرد يوصف به الجمع، كعدل وزور وغيره.
وقوله: {مغنون عنا} أي يحملون عنا كله ومشقته، فأخبرهم المستكبرون أن الأمر قد انجزم بحصول الكل منهم فيها وأن حكم الله تعالى قد استمر بذلك.
وقوله: {كل فيها} ابتداء وخبر، والجملة موضع خبر إن.
وقرأ ابن السميفع: {إنا كلاًّ}، بالنصب على التأكيد.
ثم قال جميع من في النار لخزنتها وزبانيتها: {ادعوا ربكم} عسى أن يخفف عنا مقدار يوم من أيام الدنيا من العذاب، فراجعتهم الخزنة على معنى التوبيخ لهم. والتقرير: {أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات} فأقر الكفار عند ذلك وقالوا {بلى}، أي قد كان ذلك، فقال لهم الخزنة عند ذلك: فادعوا أنتم إذاً، وعلى هذا معنى الهزء بهم، فادعوا أيها الكافرون الذين لا معنى لدعائهم، وقالت فرقة: {وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} هو من قول الخزنة. وقالت فرقة: هو من قول الله تعالى إخباراً منه لمحمد صلى الله عليه وسلم، وجاءت هذه الأفعال على صيغة المضي، قال الناس الذين استكبروا وقال للذين في النار، لأنها وصف حال متيقنة الوقوع فحسن ذلك فيها.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7